هل يفكك فيروس كورونا الاتحاد الأوروبي ويقضي على حلم الوحدة العربية؟
29 / 3 / 2020
أزمة غير مسبوقة تجتاح العالم، تأثرت بها على وجه الخصوص دول أوروبية كبرى مثل إيطاليا وإسبانيا. فقد راح آلاف الأوروبيين ضحايا لتفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19). لكن الأمر لم يقف عند حد الخسائر البشرية أو الاقتصادية، إذ إنه يهدد أيضاً استمرارية كيان بحجم الاتحاد الأوروبي، ذلك أن عدداً من الممارسات والقرارات التي اتخذتها عدة دول ألقت بظلالٍ من الشك على مدى جدوى استمرار هذا التكتل.
كل شيء مباح في الحب و .."الحرب"!
استخدمت أكثر من دولة أوروبية - إلى جانب الولايات المتحدة – تعبير "حالة الحرب" في مواجهة تفشي فيروس كورونا. لكن يبدو أن هذا التعبير كان له من الموقع السيئ على أرض الواقع ما له.
ففي سابقة خطيرة صادرت جمهورية التشيك شحنة من المساعدات الطبية والأقنعة الواقية كانت قادمة من الصين في طريقها إلى إيطاليا. تقول حكومة التشيك إن الأمر وقع بالخطأ خلال ملاحقة عدد من الأفراد الذين يتاجرون في المعدات الطبية في هذا الوقت الحرج وتعهد برد الشحنة لإيطاليا، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
أما ألمانيا فقررت حظر تصدير مستلزمات الوقاية الطبية للخارج. وأعلنت لجنة إدارة الأزمات التابعة للحكومة أن وزارة الصحة الاتحادية ستتولى تدبير هذه المستلزمات على نحو مركزي بالنسبة للعيادات الطبية والمستشفيات والسلطات الاتحادية. وسيُجرى استثناء ذلك فقط تحت شروط ضيقة، مثل التصدير في إطار حملات إغاثة دولية.
وفي هذا السياق، شنت الصحف الإيطالية هجوماً عنيفاً على الاتحاد الأوروبي غداة قرار بإرجاء اعتماد تدابير قوية في مواجهة التداعيات الاقتصادية لتفشي وباء كورونا المستجد.
وكان رئيس الوزراء الإيطالي جوسيبي كونتي هدد خلال القمة التي نظمت عبر الفيديو بعدم التوقيع على الإعلان المشترك في حال لم يعتمد الاتحاد تدابير قوية "مرفقة بأدوات مالية مبتكرة وملائمة بالفعل لحرب يتوجب علينا خوضها سوياً".
وكانت ألمانيا ودول شمال أوروبية أخرى قد رفضت مناشدة تسع دول، من بينها إيطاليا الأكثر تضرراً، من أجل الاقتراض الجماعي من خلال "سندات كورونا" للمساعدة في تخفيف الضربة الاقتصادية للوباء.
شدد وزراء الصحة في الاتحاد الأوروبي على الحاجة إلى تنسيق العمل للحيلولة دون تفشي فيروس كورونا الجديد والتصدي لموجة انتشار محتملة من الوباء في أوروبا. وألمانيا تشهد أول حالة تعافي من الإصابة بالفيروس من ضمن 16 حالة إصابة. (13.02.2020)
للمساعدة على مواجهة تفشي فيروس كورونا أرسلت الصين مليون قناع لفرنسا. كما تعهدت بكين، المتهمة بالتأخر في التصدي للفيروس، بتزويد الاتحاد الأوروبي بأكثر من 2 مليون كمامة و50 ألف جهاز فحص، كما أرسلت خبراء ومعدات إلى إيطاليا. (18.03.2020)
واختارت صحيفة "فاتو كوتيديانو" عنوان "كونتي يقول لأوروبا ميتة أن تذهب إلى الجحيم". كما عنونت "لا ريبوبليكا" ذات الخط السياسي المؤيد للاتحاد الأوروبي تقليدياً، "أوروبا قبيحة".
وبدورها، اعتبرت صحيفة "كورييري ديلا سيرا" أنّه "في حال افتقد الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق، فإنّ هذا يعني أنّ المشروع الأوروبي نفسه قد انتهى".
وانتقد رئيس الوزراء البرتغالي أنطونيو كوستا ما أسماه "التفاهة المتكررة" للحكومة الهولندية، التي تعد عادة واحدة من أقوى المدافعين عن الانضباط في ميزانية الاتحاد الأوروبي. وقال: "هذا الحديث بغيض في إطار الاتحاد الأوروبي. هذه هي الكلمة بالتحديد: بغيض".
لماذا تأخرت دول الاتحاد في مساندة بعضها؟
ويرى البعض أن دعم دول الاتحاد لدول منكوبة مثل إيطاليا وإسبانيا - تكاد فرنسا تلحق بهما – لم يكن على المستوى المتوقع مطلقاً. فبحسب محمد عايش المحلل السياسي وخبير الشؤون الأوروبية من لندن، فإن سبب ذلك أن "الأزمة عميقة للغاية بالفعل وضربت كل دول العالم، كما أنها غير مسبوقة على الأقل منذ 100 عام، بالتالي كان التعامل معها وإدارتها صعب للغاية بالنسبة لكل الدول، مضيفاً في حوار مع DW عربية أن الدولة التي تشعر أنها في أزمة يصعب جداً عليها أن تقدم خلالها دعماً لدول أخرى.
أما حسين الوائلي، الكاتب والمحلل السياسي من بروكسل، فيرى أن الاتحاد الأوروبي لا يستطيع أن يلبي طلبات جميع الدول الأعضاء خصوصاً الأكثر تضرراً، لأن الأزمة أكبر بكثير من حجم الاتحاد تقنياً واقتصادياً، وثانياً أن جميع الدول الأعضاء تعاني من نقص حاد على المستوى الصحي ولم يسعف الوقت الاتحاد للوصول إلى توافق أو إجماع حول آلية المساعد وبناء استراتيجية تصدي للفايروس، لهذا ترك الباب مفتوحاً للدول الأعضاء في كيفية بناء آلية للتصدي للفايروس كل حسب إمكانياته.
وعلى خلفية "تباطؤ" دول الاتحاد في دعم دولة مثل إيطاليا ظهرت أربعة مشاهد ذات دلالات عميقة؛ الأول كان مشهد المدرعات والعربات الروسية التي تجوب شوارع إيطاليا حاملة على متنها مساعدات وأطقم طبية
والثاني هو مشهد الأطباء الكوبيين الذين وصلوا إلى إيطاليا أيضاً والترحيب الهائل الذي قوبل به أطباء الدولة التي تفرض أمريكا عليها حظراً منذ عقود،
والثالث هو مشهد تقبيل الرئيس الصربي لعلم الصين اعترافاً منه بدعمها ومساندتها لبلاده
والرابع هو مشهد إنزال مواطن إيطالي لعلم الاتحاد الأوروبي ورفع علم الصين بدلاً منه
نقل دبلوماسي عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تحذيره لزعماء الاتحاد الأوروبي بأن تفشي فيروس كورونا يهدد الدعائم الأساسية للاتحاد الأوروبي. ووفقا للمصدر، فقد قال ماكرون لباقي قادة التكتل وعددهم 26 خلال مؤتمر صحفي عبر الهاتف، "المشروع الأوروبي معرض للخطر... التهديد الذي نواجهه هو القضاء على منطقة الشينجن"، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية.
ويرى محمد عايش، خبير الشؤون الأوروبية، أن الأزمة تشكل تهديداً للنظام العالمي برمته وليس فقط للاتحاد الأوروبي، مضيفاً أنه يصعب التنبؤ بمثل هذا الأمر في الوقت الحالي وأنه "عندما نعرف إلى أي مدى ستصل أزمة كورونا أوروبياً وعالمياً، يمكننا أن نستشرف تأثيرها على العالم سواء على الاتحادات والروابط الإقليمية أو على النظام العالمي"، مرجحاً عدم إمكانية حدوث انهيار للاتحاد الأوروبي، وإنما أن يقوم الاتحاد بعد الأزمة ببناء وسائل تعاون أكثر نجاعة وفعالية في حالة الأزمات.
ويتفق معه في الرأي حسين الوائلي الكاتب والمحلل السياسي والذي يعتقد بأنه "من المبكر جداً أن نقول إن الاتحاد سينهار.. صحيح أن الأزمة عميقة لكن دول الاتحاد ترى الآن أن الوحدة أهم بكثير من الانقسام".
هل ترسخ أزمة كورونا فقدان الأمل في "اتحاد عربي"؟
كتب زيغمار غابرييل وزير خارجية ألمانيا الاتحادية السابق مقالاً مطولاً في صحيفة تاغيس شبيغيل قال فيه إن أخطر ما يمكن أن تفرزه أزمة كورونا هو أن يستقر في وعي الناس بعد كل ما حدث أن السبيل الوحيد للحماية ضد الأخطار العالمية هو حماية دولتهم الوطنية.
وقال غابرييل "إن الفيروس لن يصيب الناس فحسب بل سيصيب أيضاً مشاريع الوحدة والتعاون الدوليين- بما في ذلك صيغة الاتحاد الأوروبي – والتي تم الوصول إليها بكلفة عالية من الجهد والدماء"، واصفاً هذا الأمر بفيروس " أمتي أولاً"، ومؤكداً على أنه إن كانت أوروبا تريد أن تلعب دوراً في المستقبل وأن تحافظ على وحدتها فعليها تقديم حلول مقبولة لإنقاذ الناس، وهذا لن يحدث إلا بالتعاون بين المجتمعات وليس الانعزال والانغلاق على الذات.
في هذا الإطار يقول محمد عايش إن الأنظمة العربية لم تكن تنتظر وقوع تلك الخلافات العميقة بين دول الاتحاد الأوروبي لكي تستبعد فكرة الوحدة فيما بينها بأي شكل، وإنما هي قد اتخذت قبل عقود قرار مسبق بألا تتحد فيما بينها.
ويرى عايش أن هناك مخاوف أكبر بكثير من ترسيخ فكرة عدم الوحدة بين شعوب الدول العربية "إذ أنه من الطبيعي بعد أوقات الأزمات أن تنكفئ الأمم على ذاتها، لكن الأنظمة العربية تستغل الأزمة وبعض العيوب لدى الدول الكبرى والمتقدمة لتشدد الخناق السياسي على مواطنيها وتبرر للجميع ما تقوم هي به من عمليات قمع وهيمنة وفرض عقوبات خارج نطاق القانون، لتتحول أزمة كورونا إلى شماعة لدى الأنظمة العربية تعلق عليها ممارساتها القمعية".
محمد عايش المحلل السياسي وخبير الشؤون الأوروبية
ويوضح عايش" عندما يوجه سؤال حول ما يحدث في هذه الدولة العربية أو تلك تكون الإجابة من خلال تبرير الإجراءات القمعية على أننا لن نكون أفضل حالاً من الدولة الأوروبية هذه أو تلك وهي الدول المتقدمة والديمقراطية"، موضحاً أنه "مثال ذلك قيام بعض الدول العربية بالاستشهاد بموضوع الحد من حرية التنقل والتجمع في أوروبا بقمع الحريات ومنع التجمعات خصوصاً السياسية ومنع التظاهرات وأن كل هذه الإجراءات قللت من انتشار الفيروس بعكس الدول التي سمحت بكل هذه الحريات".
واختتم عايش حديثه بالقول إن الأنظمة العربية ستستغل هذه الجائحة للتدليل على أن الوحدة غير مفيدة بل إنها مضرة وسينكفئ الناس أكثر على أنفسهم لتصبح السعودية أولاً والأردن أولاً وكل دولة بحد ذاتها أولاً".
... وضع وزير الخارجية الفرنسي روبير شومان أول حجر في البناء الأوروبي عندما اقترح على ألمانيا بعد خمس سنوات فقط على استسلامها في الحرب العالمية الثانية، تحقيق تكامل في الإنتاج الفرنسي الألماني للفحم والفولاذ في اطار منظمة مفتوحة لكل دول أوروبا. وقعت اتفاقية باريس التي نصت على إنشاء "مجموعة الفحم والفولاذ" بعد عام من ذلك فولدت أوروبا "الدول الست" (ألمانيا وبلجيكا وفرنسا وإيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا).
... وقعت الدول الست المعاهدة التأسيسية لأوروبا السياسية والاقتصادية. وقد أسست المجموعة الاقتصادية الأوروبية، السوق المشتركة القائمة على التنقل الحر مع إلغاء الحواجز الجمركية بين الدول الأعضاء. أما المؤسسات ومنها المفوضية والجمعية البرلمانية الأوروبية فلم تُنشأ إلا مطلع 1958.
...انضمت بريطانيا والدنمارك وإيرلندا إلى السوق الأوروبية المشتركة، تلتها اليونان (1981) وإسبانيا والبرتغال (1986) والنمسا وفنلندا والسويد (1995). شكلت معاهدة ماستريخت الوثيقة التأسيسية الثانية للبناء الأوروبي ووقعت في السابع من شباط/ فبراير 1992. وهي تنص على الانتقال إلى عملة واحدة وتنشئ اتحاداً أوروبياً.
... أصبحت السوق الواحدة واقعاً مع حرية تبادل البضائع والخدمات والأشخاص ورؤوس الأموال. وانتظر الأوروبيون حتى آذار/مارس 1995 ليتمكنوا من السفر بلا مراقبة على الحدود.
... دخل اليورو الحياة اليومية لنحو 300 مليون أوروبي. وفيما تنازلت معظم دول الاتحاد عن عملاتها الوطنية، اختارت الدنمارك وبريطانيا والسويد فقط الإبقاء على عملاتها.
وبعد أن كان الأمر أقرب إلى حلم عند سقوط جدار برلين في 1989، جرى توسيع الاتحاد ليضم دولا من شرق أوروبا تدريجياً. قد انضمت عشر دول جديدة إلى الاتحاد الأوروبي في أيار/ مايو 2004 هي بولندا والجمهورية التشيكية والمجر وسلوفاكيا وليتوانيا ولاتفيا واستونيا وسلوفينيا ومالطا وقبرص. وفي 2007 انضمت بلغاريا ورومانيا إلى الاتحاد ثم كرواتيا عام 2013.
المصدر
.::الَّلهُمَّـ اجعَلْـ عَمَلَنَا خَالِصًا لِوَجهَكَـ الكَرِيمِـ::.