عضو متميز
مشارك بأكثر من 200 مشاركة
حاصل على الجنسية
مر على وجوده في المنتدى أكثر من 10 سنوات
عضو مطلع
شارك في أكثر من 200 موضوع
|
( المـيزان في سـورة الرحـمن )
.
.
.
.
.
.
.
.
قبـل الدخـول في شـرح السـورة الكـريمـة ، يشـرّفني أنْ أتقـدّم بكل الشكر و التقدير و الاحترام لكم جميعـاً ، و أخص بالشكر كل الذين أرسـلوا الاستفسـارات ، لتفـاعلهم مع المقـالات ، فبـارك اللـه بكم جميعـاً ، و نظراً لكثرة الاستفسارات ، اسمحوا لي أن يكون الشـرح في أكـثر من مقـالة .
جعلكم : [ الرحمـن ] من ورثـة جـنّة النعيـم .
.
سـورة الـرحمـن :
سـورة مَـدنيّـة [ نزلتْ في المدينة المنوّرة ] ، تـرتيبهـا في كتـاب اللـه [ 55 ] ، و ترتيب نزولهـا [ 97 ، فقد نزلت بعد سورة الرعـد و قبل سورة الإنسان ] ، و يُطلقُ عليهـا صفة : [ عـروس القـرآن ] .
.
مــيزان بين كلمتـيْ [ اللـه ، الـرحمـن ] :
إنّ لفْظَ الجـلالة : [ اللـه ] يخصّ جميع المخلوقات من الجماد و الأحياء ، لذلك كلمة [ الله ] ، هي العُليـا : ( كَـلِـمَـةُ - اللّـهِ - هِـيَ الـعُـلْـيَا ) التوبة 40 ، و اسم : [ اللـه ] هو الاسم [ الأعظم ] ، لذلك عند الأذان نقول : [ اللـه أكبر ، الله أكبر ] ، و الشهادة تكون : [ أشهد أن لا إله إلاّ - الله - ، و أشهد أنّ محمداً رسول - الله - ] .
و لا يصحّ أنْ نقول في الأذان مثلاً : [ الرحمن أكبر ، الرحمن أكبر ] ، أو أن نقول : [ أشهد أن لا إله إلاّ - الرحمن - ، و أشهد أنّ محمداً رسول - الرحمن - ] .
أمّـا لفظ الجلالة : [ الـرحمـن ] فيخصّ فقط المَخْلوقات الحيَّـة وَ خَاصَّةً المُـؤمنين ، لذلك يوجد سورة باسم : [ سورة الرحمن ] ، و لا يوجد سورة باسم : [ سورة الله ] .
و يوضح ميزان السورة الكريمة ، أنّ اسم [ الرحمن ] هو اسم [ مُبارك ] ، و ذلك إذا نظرنـا إلى الآية [ الأولى ] و إلى الآية الأخيرة من السورة : ( الـرحمـن .... تبـارك - اسْـمُ - ربّـك ذي الجلال و الإكـرام ) الآية 1 / و الآية 78 .
.
و قد طَلَبَ اللّهُ سُبْحَانَهُ أَنْ نَدْعُـوهُ [ فقط ] بِأَحَدِ اسْـمَيْهِ الكرِيْمَيْنِ : [ اللّهُ ، الرحمن ] ، فقال تعالى : ( قُلِ اِدْعُـوا - اللّـهَ - أَوِ اِدْعُـوا - الـرَحْـمَـن - أيَّاً مَـا تَدْعُـو فَلَـهُ الأسْـمَـاءُ الـحُـسْـنى ) الإسراء 110 .
.
و لـم يكن الخلاف كبيراً بين الرسول صلى الله عليه و سلم و بين الكافرين على كلمة [ الله ] ، تقول الآية الكريمة عن الكافرين : ( و لـئنْ سـألتهُم مَنْ خلق السَـماوات و الأرضَ ليقولُنّ - الله - ) لقمان 25 / الزخرف 87 ، و لكن حصل الخلاف الكبير و زاد الكافرين نفوراً عندمـا سمعوا كلمة [ الرحمن ] ، تقول الآية الكريمة : ( وَ إِذَا قِيْلَ لَـهُـمُ اسْـجُـدوا لِلـرَحْـمَـنِ قَالُـوا وَ مَـا - الـرَحْـمَـنُ - أَنَسْـجُـدُ لِـمَـا تَأْمُـرُنَا وَ زَادَهُـمْ نُفَوراً ) الفرقان 60 .
.
و اسـم : [ الرحمـن ] ، لـه : [ صِـفة ] واحـدة فقط ، هي : [ الرحـيم ] ، و الدليل هذه الآيات الكريمة : ( الـرَحْـمَـنِ الـرَحِـيْمِ ) الفاتحة 3 ، ( تَنْزِيْلٌ مِـنَ الـرَحْـمَـنِ الـرَحِـيْمِ ) فصّلت 2 ، ( لاَ إلَـهَ إلاّ هُـوَ الـرَحْـمَـنُ الـرَحِـيْمِ ) البقرة 163 ، ( هُـوَ الـرَحْـمَـنُ الـرَحِـيْمُ ) الحشْر 22 .
و اسم : [ اللـه ] ، يـأخذ كل : [ الصفـات ] الأخـرى ، وَ في سُورَةِ الحجّ مثلً يوجد / 7 / آياتٍ تتحدث عن صفات كلمة [ الله ] ، و هذه الآيات هي : ( وَ إنَّ اللّـهَ لَـعَـلِـيٌّ حَـلِـيْمٌ ) الحج 59 ، ( إنَّ اللّـهَ لَـعَـفُوٌّ غَـفُـورٌ ) الحج 60 ، ( أَنَّ اللّـهَ سَـمِـيْعٌ بَصِـيْر ) الحج 61 ، ( أَنَّ اللّـهَ هُـوَ العَـلِـيُّ الـكَـبيْرُ ) الحج 62 ، ( أَنَّ اللّـهَ لَـطِـيْفٌ خَـبِيْرٌ ) الحج 63 ، ( أَنَّ اللّـهَ هُـوَ الغُـنِيُّ الـحَـمِـيْدُ ) الحج 64 ، ( إنَّ اللّـهَ بِالـنَاسِ لَـرَؤوفٌ رَحِـيْمٌ ) الحج 65 .
كَذَلِكَ : ( فَإنَّ اللّـهَ غَـفُورٌ رَحِـيْمٌ ) التغابن 14 ، ( وَ اعْـلَـمْ أَنَّ اللّـهَ عَـزِيْزٌ حَـكِـيْمٌ ) البقرة 260 .
و المثـال الأوضح ، في آخر سورة [ الحشر ] ، التي توضح أنّ اسم : [ اللـه ] لـه الكثير من الصفات ، بينمـا اسم : [ الرحمن ] لـه [ صفة ] واحدة : تقول الآيات الكريمة : ( هو : اللـه الذي لا إلـه إلاّ هو : عالِمُ الغيْب و الشهادة ، هو : الرحمن الرحيم ) الحشر 22 ، و تتابع الآيات : ( هو اللـه الذي لا إلـه إلاّ هو : الملِكُ القدّوسُ السلام المؤمن المُهيمن العزيزُ الجبّار المُتكبّر ) الحشر 23 ، ( هو الله : الخالق البارئ المصوّر ) الحشر 24 .
.
آيـاتٌ مُتشابهاتٌ :
نجـد عدّة آيات [ متشابهات ] في القرآن الكريم ، الأولى تتحدّث عن : [ اللـه ] و الآية الثانية تتحدّث عن : [ الرحمن ] ، و نُلاحظُ أنّ الآية الأولى تتحدث عن الأشياء التي ليس بهـا حياة ، بينمـا الثانية تتحدّث عن المخلوقات الحيّة :
يقول تعالى عن [ الطيران ] الحديث ، و الطـائرات التي تطير على ارتفاعات شاهقة : ( ألـمْ يـروْا إلى الطـير مُسـخّراتٍ في جـوّ السماء مـا يُمسكهُنّ إلاّ - اللـه - ) النحل 79 ، أمـا عندمـا يتحدّث عن الطيور الحية التي تطير قريبة من الإنسان ، فإنه يستخدم كلمة [ الرحمن ] ، تقول الآية المتشابهة : ( أوَلـمْ يـروْا إلى الطـير فوقهُم صافّاتٍ و يقبضْنَ مـا يُمسكهُنّ إلاّ - الرحمـن - ) الملك 19 .
.
الـرحمـن :
إنّ المولى تبارك و تعالى يُدير الكون باسمه : [ الرحمـن ] ، يقول تعالى : ( الـرَحْـمَـنُ عَـلَـى الـعَـرِشِ اسْـتَوى ) طه 5 ، و لو كان يُدير الكون باسمه [ اللـه ] لانتهت كلّ أشكال الحياة على الأرض : ( و لوْ يؤاخذ - الله - النـاس بمـا كسَـبوا مـا ترَكَ على ظهـرهـا منْ دابّـة ) فاطر 45 ، وَ باسمه [ الرحمـن ] سَيُحَاسِبُ الناس يَوْمَ القِيامَةِ : ( إِنْ كُـلُّ مَـنْ في الـسَّـمَـاواتِ وَ الأرْضِ إلاَّ آتِي - الـرَحْـمَـنِ - عَـبْدَاً ) مريَم 93 ، وَ باسْمِهِ الرحمن خَلَقَ جَنَّاتِ عَـدْن : ( جَـنَّاتِ عَـدْنٍ الـتي وَعَـدَ - الـرَحْـمَـنُ - عَـبَادَهُ بالـغَـيْبِ ) مريَم 61 .
و [ الرحمـن ] يخصّ المسلمين أصحاب القرآن بشكل أسـاسيّ لأنَّ : ( الـرَحْـمَـنُ عَـلَّـمَ الـقُرْآنَ ) الرحمن 1 / 2 ، وَ دَعَا [ المُسْـلِمِيْنَ ] أَنْ يَتَوَجَّهُوا إلَيْهِ باسْمِهِ الرَحْمن : ( قُلْ : هُـوَ الـرَحْـمَـنُ آمَـنّا بِه وَ عَـلَـيْهِ تَوَكَّـلْـنَا ) الملك 29 ، ( وَ إنَّ ربَّكُـمُ الـرَحْـمَـنُ ) طه 90 ، ( وَ رَبُّنَا الـرَحْـمَـنُ الـمُـسْـتَعَـانُ ) الأنبياء 112 .
و [ سـورة الرحمـن ] تتحـدّث عن الأمور و الأشياء التي خلقهـا المولى تعالى بصفته [ الرحمـن ] :
.
مـيزان [ القـرآن ، البيـان ] :
( الرحمـن ، علّـمَ القـرآن ، خلـق الإنسـان ، علّمـه البيَـان ) الرحمن 1 / 4 ، نُـلاحـظُ في هذه الآيات الكريمة ، أنّ [ الإنسان ] هو أساس ميزان [ القرآن و البيـان ] ، فبعْـدَ أنْ [ يتعلّم ] القرآن ، و لا [ يتلوه ] بسرعة و بدون فهم كما يحدث في رمضان ، بعد ذلك على الإنسان أنْ يتعلّم [ البيـان ] ، و هو [ التصرّف السليم ] مع قوانين الطبيعة و مع قوانين البشر ، و أنْ يفهم [ الميـزان ] الذي وضعه الخالق تعالى في كلّ شيء : ( من كلّ شيء موزون ) الحجر 19 ، فالإنسان محصورٌ بين علمين : [ القُرآن ] + [ البَيـان ] ، فأحدهُمـا لا يكفي لأنّهُ يُحدثُ خـللاً في : [ الميزان ] .
.
مـيزان [ الشـمسُ و القمـر ] :
( الشَـمسُ و القَـمَـرُ بحُـسْـبان ) الرحمن 5 ، و [ الحُسـبان ] هو الميزان و التوازن الدقيق الذي يجب أنْ يهتمّ بـه الإنسان ، لأن الخالق تعالى منذ تكوين الكون جعـلَ عدد الأشهر [ 12 ] شهراً قمـرياً ، و فرض [ 4 أشهر منهـا ] يُمنع فيهـا القتال ، كيْ يرتاح الناس على الأقل فترة [ 4 أشهر ] من القتل و الإجرام : ( إنّ عِـدَّةَ الـشُـهُـورِ عِـنْدَ اللَّـهِ اثْنَا عَـشَرَ شَـهْـراً في كِـتَابِ اللَّـه يَوْمَ خَـلـَقَ الـسَمَـاواتِ وَ الأرْضَ مِـنْهَـا - أَرْبَعَـةٌ حُـرُمٌ - ذَلـكَ الـدينُ الـقَـيِّمُ - فَـلاَ تَظْـلِـمُـوا فِـيهِـنَّ أَنْفُسَـكُـمْ - ) التوبة 36 ، إذَاً : [ التَقْويمُ القَمَـريُّ ] الذي يَحْتَوي أَرْبَعَـةَ أشْـهُرٍ حُـرُمٍ ، هُـوَ رَحْمَـةٌ مِنَ اللَّـهِ سُبْحَانَهُ لِعِبَـادِهِ ، كَيْ لاَ يَظْلِمُوا أنْفُسَـهُمْ عَلى الأقَلِّ في الأشْـهُرِ الحُـرُمِ : [ ذي الحِجَّةِ ، ذي القِعْدَةِ ، مُحَرَّمٌ ، رجَبٌ ] ، فهل مَنْ يسمعْ ؟ !!!! .
و [ الحُسْـبان ] يجب أنْ يكون عن طـريق الأدلّة العلميّة الدقيقة بالدرجة الأولى ، و في الماضي كانت الوسيلة [ الوحيدة ] لرؤية هلال رمضان هي [ العيْن المجرّدة ] ، و اليوم يُمكنْ معرفة مكان وجود القمر في كل لحظة عن طريق وكالات الفضاء و أجهزة [ التليسكوب ] ، و العجبُ العجاب هو [ الإصرار ] على [ الرؤية ] بالعين المُجرّدة ، مع أنّ الآية الكريمة تقول صراحةً : ( فمنْ - شَـهِـدَ - منكُمُ الشَـهرَ فلْيصمْه ) البقرة 185 ، و لمْ تقُل الآية الكريمة : [ فمنْ - رأى - منكُم الشهْر ] !!! ، و [ الشهادة ] تكون بالدليل العلميّ ، و [ الرؤية ] تكون بالعين ، و مِنَ العجيب أيضاً أنني منذ يومين كنتُ أشـاهد محطة فضائية يتحدّث فيهـا [ عالم دينيّ ] مختص بإثبات رمضان ، و قد قرأ الآية مـرّتين : [ فمن - رأى - منكم الشهْر ] !!!!!!!!!!!!! .
و في كلّ عام [ يختلف ] أكثر من [ مليار و نصف مسلم ] على [ رؤية ] قمر رمضان ، مع أنّ القمر معروف بكل ثانية أيْن موقعه بكل دقّة [ حُسْـبان ] علميّ .
.
في المقـالة القـادمة :
- ( و النجْمُ و الشـجر يسجدان ) ، كيفية السجود و ميزان [ السجود ] .
_ ( و السَماء رفعهـا و وضع الميزان ) ، مـا هو [ ميزان الكون و الحياة و الطبيعة ] .
_ ( فيهـا فاكهةٌ و النخل ذاتُ الأكمـام ، و الحبّ ذو العصف و الريحان ) ، كيفَ يكون [ الحبّ ذو العصْف ] شافياً من : [ مرض السكّري ] الذي يُصيب الكثير من الناس ؟
و الميزان مع قوله تعالى في سورة النحل ( و منْ ثمرات النخيل و الأعناب تتخذون منه - سَـكَراً - و رزقاً حسـناً ) النحل 67 ، و الانتباه إلى أنّ كلمة : [ سَـكَراً ] تعني سائل : [ الخـلّ ] .
_ ( فبأيّ آلاء ربكمـا تُكـذّبان ) ، و لمـاذا تكّررت [ 31 مـرّة ] في السورة الكريمة .
.
كلّ هـذا و اللـه أعْلم .
.
لكـم خالص المـحبـة و التـقدير و الاحتـرام ، و بـاركَ اللـه بكم و عليكـم و أسعدكم في الدنيا و الآخـرة ، مع خالص تحياتي و شكري لمشاعركم الرقيقة ، و ســلِمتْ أياديكم البيضــاء لتعليقاتكم الكريمة التي تـدلّ على ذوقـكم و كَـرَم أخــلاقكم ، و رزقكم اللـه جنّــات النعيم و جعلكم عباده المقـرّبـين ، و صلى الله و سلم على رسوله الكريم و على آلـه و صحبه أجمعين .